فصل: تفسير الآيات (16- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.سورة فاطر:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 2):

القول في تأويل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [1- 2].
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: مبتدئها ومبدعها من غير سبق مثل ومادة: {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} أي: ذوي أجنحة متعددة متفاوتة في العدد، حسب تفاوت ما لهم من المراتب، ينزلون بها، ويعرجون، أو يسرعون بها. وفي الصحيح: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة أسري به، وله ستمائة جناح». ولهذا قال سبحانه: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء} أي: يزيد في خلق الأجنحة وغيره ما يشاء، مما تقتضيه حكمته: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} أي: نعمة سماوية كانت أو أرضية: {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} أي: لا أحد يقدر على إمساكها: {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} أي: من بعد إمساكه: {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على كل ما يشاء: {الْحَكِيمُ} أي: في أمره وصنعه.

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [3].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أي: لتستدلوا بها على وحدته في ألوهيته؛ لأنه المنفرد بإرسالها وحده، ولا يصح لمن انفرد بالإنعام أن يشرك معه غيره؛ لأنه كفران له موجب لغضبه. وهذا ما أشار له بقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ} أي: المطر والنبات: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي: تصرفون عن التوحيد الواجب- لأنه مقتضى شكر النعم- إلى الشرك والكفر.

.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [4].
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فيجازي المكذب وشيعته بالخزي وظهور الحق عليه.

.تفسير الآية رقم (5):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [5].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي: ما وعد به من جزائه بالثواب إن صدقتم في الاتباع، وبالعقاب، إن عصيتم: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} أي: بأن يذهلكم التمتع بها والتلذذ بمنافعها، عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله: {وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} أي: الشيطان، وقرئ بالضم.

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [6].
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} أي: باتباع الهوى والركون إلى الدنيا.

.تفسير الآيات (7- 8):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [7- 8].
............

.تفسير الآية رقم (9):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [9].
{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} أي: مثل إحياء الموات، إحياء الأموات، وكثيراً ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها، ليعتبر المرتاب في هذا، فإنه من أظهر الآيات وأوضحها.

.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [10].
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} أي: الشرف والرفعة: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} أي: فليطلبها من عنده، باتباع شريعته، وموالاة أنبيائه ورسله، والتأسي بهم في الصلاح والإصلاح، والصبر والثبات، واطّراح كل ملامة رغبة في الحق وعملاً بالصدق. وهذا كآية: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء: 139]. وكآية: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وهو الداعي إلى الحق والإصلاح، والمنبه على سبل الضلال والفساد: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} أي: يرفع الكلمُ العملَ الصالح، على أن يكون المستكن للكلم، إشارة إلى أن العمل لا يقبل إلا بالكلم المؤثر في إبلاغ دعوة الخير. والضمير المستتر للعمل، والبارز للكلم، أي: يكون العمل الصالح موجباً لرفعها وقبولها لأنه يحققها ويصدقها، كما قال تعالى عن شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]، {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} أي: الأعمال السيئة المفسدة لصلاح الأمة وقيام عمرانها: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي: يضمحل؛ لأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [11].
{وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً} أي: ذكراناً وإناثاً، لطفاً منه ورحمة: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} أي: من أحد، وإنما سمي معمراً لما يؤول إليه، أي: وما يمدّ في عمر أحد: {وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} وهو علمه تعالى الذي سبق، ببلوغ أصله إليه: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي: الحفظ والزيادة أو النقص سهل؛ لشمول علمه وعموم قدرته.
لطيفة:
الضمير في: عمره، للمعمر قبله. باعتبار الأصل المحوّل عنه؛ لأن الأصل: وما يعمر من أحد كما ذكرنا، أو هو على التسامح المعروف فيه، ثقة في تأويله بأفهام السامعين، كقولهم: له علي درهم ونصفه، أي: نصف درهم آخر. أو للمنقوص من عمره لا للمعمر، كما في الوجه السابق، وهو وإن لم يصرح به في حكم المذكور، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. فيعود الضمير على ما علم من السياق. وقد أطال بعضهم الكلام في ذلك، ومحصله، كما ذكره الشهاب، أنه اختلف في معنى: {مُّعَمَّرٍ} فقيل: المزاد عمره، بدليل ما يقابله من قوله: {يُنقَصُ} الخ. وقيل: من يجعل له عمر. وهل هو واحد أو شخصان؟ فعلى الثاني هو شخص واحد. قالوا مثلاً: يكتب عمره مائة ثم يكتب تحته مضى يوم، مضى يومان، وهكذا. فكتابة الأصل هي التعمير، والكتابة بعد ذلك هو النقص. كما قيل:
حَيَاْتُكَ أَنْفَاْسٌ تُعَدُّ فَكُلَّمَا ** مَضَىْ نَفَسٌ مِنْهَا انْتَقَصْتَ بِهِ جُزْءاً

والضمير في: عمره، حينئذ راجع إلى المذكور، والمعمر هو الذي جعل الله له عمراً طال أو قصر، وعلى القول الأول هو شخصان. والمعمر الذي يزيد في عمره. والضمير حينئذ راجع إلى معمر آخر؛ إذ لا يكون المزيد من عمره منقوصاً من عمره. وهذا قول الفرّاء، وبعض النحويين، وهو استخدام، أو شبيه به. انتهى.
ثم أشار تعالى لآيات أخرى من آيات قدرته ووحدانيته، بقوله:

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طريًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [12].
{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} أي: شديد العذوبة: {سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أي: قوي الملوحة: {وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طريًّا} يعني السمك: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} أي: زينة تتحلّون بها. كما قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} أي: تمخر الماء وتشقه بجريها: {لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} أي: بالتنقل فيها: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

.تفسير الآية رقم (13):

القول في تأويل قوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} [13].
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى} يعني مدة دوره، أو منتهاه، أو يوم القيامة: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} أي: فأنّى يستأهلون العبادة. والقطمير: لفافة النواة، وهو مثلٌ في القلة والحقارة.

.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [14].
{إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ} لأنهم جماد: {وَلَوْ سَمِعُوا} أي: على الفرض: {مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} أي: لعدم قدرتهم على النفع: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي: يقرون ببطلانه، وأن لا أمرَ لهم فيه: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} أي: لا يخبرك بالأمر مخبر، مثل خبير عظيم أخبرك به، وهو الحق سبحانه، فإنه الخبير بكنه الأمور دون سائر المخبرين. والمراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم، ونفي ما يدعون لهم من الإلهية.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [15].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} أي: رحمته، وعنايته، ولطفه، وإمداده في كل لمحة ونفس، وسر وصل الآية بما قبلها من التهكم بالأنداد، لتذكيرهم الالتجاء إليه تعالى، والتضرع والابتهال إذا مسهم الضر، وأخذت البأساء بمخانقهم، فإنهم يشعرون من أنفسهم دافعاً إلى سؤاله لا مردّ له. وحاثّاً إلى اللجأ إليه لا صاد عنه، كما بين في غير آية، مما يدل على أنه تعالى هو الحقيق بالعبادة، لغناه المطلق، كما قال: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أي: المحمود لنعمه التي لا تحصى.

.تفسير الآيات (16- 17):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [16- 17].
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أي: بممتنع. قال الزمخشري: وهذا غضب عليهم، لاتخاذهم له أنداداً، وكفرهم بآيه، ومعاصيهم، كما قال: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد: 38].

.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [18].
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي: لا تحمل نفس آثمة: {وِزْرَ أُخْرَى} أي: إثم نفس أخرى، بل إنما تحمل وزرها الذي اقترفته، لا تؤخذ نفس بذنب نفس، كما تأخذ جبابرة الدنيا الوليّ بالوليّ، والجار بالجار، ولا يرد آية: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]؛ لأنها في الضالين المضلين، وأنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم، وذلك كله أوزارهم، ما فيها شيء من وزر غيرهم.
{وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي: نفس أثقلتها الأوزار: {إِلَى حِمْلِهَا} أي: إلى حمل بعض أوزارها ليخفف عنها: {لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} أي: لم تجب ولم تُغث بحمل شيء: {وَلَوْ كَانَ} أي: المدعو المفهوم من الدعوة: {ذَا قُرْبَى} أي: ذا قرابة من الداعي، من أب أو ولد أو أخ، وهذا قطع لأطماع انتفاعهم بقرابتهم، وغنائهم عنهم، وأنه لا تملك نفس لنفس شيئاً، وأن كل امرئ بما كسب رهين، ثم بين من يتعظ ويتذكر، فقال سبحانه: {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى} أي: تطهر من أوضار الأوزار: {فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [19].
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} مثل الكافر والمؤمن.

.تفسير الآية رقم (20):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} [20].
{وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} مثل للحق والباطل.

.تفسير الآية رقم (21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [21].
{وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} مثل للثواب والعقاب و{الْحَرُورُ} الريح الحارة بالليل، وقد تكون بالنهار.